Admin مدير المنتدى
عدد المساهمات : 18996 التقييم : 35494 تاريخ التسجيل : 01/07/2009 الدولة : مصر العمل : مدير منتدى هندسة الإنتاج والتصميم الميكانيكى
| موضوع: ( عثرات الطريق ) - الجزء الأول الخميس 27 سبتمبر 2012, 1:34 am | |
|
( عثرات الطريق )
الجزء الأول : المهلكات
بقلم : الاستاذ الدكتور فالح بن محمد الصغير
( المشرف العام على شبكة السنة النبوية وعلومها )
في سيرة الحياة يسعى المسلم للمنافسة في الخيرات مستحضراً قوله سبحانه في الحديث القدسي : ( وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ... ) الحديث - صحيح البخاري برقم 6502- .
فالمسلم وهو يقرأ هذا الحديث قراءة متأنية ، يدرك الأولويات في الأعمال بعد الإيمان بالله سبحانه وتعالى ، وهذه الأولويات هي المقربة إلى حب الله سبحانه ، وحبه سبحانه للعبد درجات بقدر ما يتقرب به هذا العبد ، وأول الأولويات هو العمل بما فرضه الله سبحانه ، والمحافظة على ذلك ، وإتقانه . ثم النوافل ، وبقدر حسنها والمواظبة عليها وزيادتها يقرب من ربه جل وعلا .
والعاقل من يدرك ذلك ، ويعمل ، على هذا المنهج ، ويستغل كل عوامل الزمان ، والمكان ، والحال، ويضع برنامجه وفق هذا المنهج العظيم حتى يلقى الله جلَّ وعلا .
وفي مقابل ذلك يحذر الحذر الشديد من عثرات الطريق المعرقلة للمسيرة الحياتية .
كما يحذر أشد من ذلك من المهلكات القاتلة التي تحبط المنتج كله ، وتفسده فتقضي عليه .
وفي هذه الأسطر إشارة إلى بعض الأمثلة في ذلك :-
فمن العثرات :- عدم وضوح منهج العمل الذي يعمله المسلم ، فتارة يعمل كذا ، وتارة يتركه ، ولا يدري لم عمل هذا ولم تركه ، ولا يدرك أصلاً قيمة هذا العمل ، فيضعف تجاهه ، وهذا من الخطورة بمكان حيث قد يرتد الإنسان عن عمل كان فيه من أشد المنافسين فيتأخر ، وهذا يجيب على معرفة السر في شكاوى كثيرين أنني أبدأ عملًا ثم أتركه ، وهو في الأصل لم يتصوره ويتصور أهميته .
- ومن العثرات : عدم أخذ الزاد، فالمعالي ، والعلو يحتاج إلى جهد والطريق طويل ، وقد يكون شاقًا فيحتاج إلى التزود بما يساعده ، وأعظم الزاد اللجوء إلى الله تعالى بالدعاء المستمر بالثبات في الحياة وبعد الممات ، ومن الزاد قراءة القرآن بتدبر وخضوع وخشوع ، وتصور لما يحويه من العقائد والفوائد والفرائد .
- ومنها : أكل الحرام فهو في ذاته معيق إذ هو من الكبائر ، وهو مانع لغيره من الطاعات ، فهو يمنع إجابة الدعاء ويجلب سخط المولى ومدخل من مداخل الشيطان ، وينبت الجسد من الحرام .
- ومنها : عدم تصور أثر الرجاء والخوف اللذين هما كجناحي الطائر للعبد وقد كثر ذكرهما في القرآن ، وهما من حادي الطريق ، والعلامات المضيئة ، إذا غفل عنها العبد أطفئت هذه الإضاءات فيفتر العبد ، ويقل عمله ، تصوّر قوله سبحانه : (ولمن خاف مقام ربه جنتان ) سورة الرحمن 46 فتظهر الآية أثر الخوف .
- ومنها : حب ظهور عمله ، ولو كان بحجة أن يراه الناس وهو قدوة لهم ، وهذا قد يعود إلى العجب وهو من الصنف الثاني المهلك ومن علاج ذلك حرص العبد على أن يعمل أعمالاً جليلة ، لا يعرفها أحد فتكون خاصة بينه وبين الله جلَّ وعلا .
- ومن العثرات : عمل المعاصي المتنوعة التي تقف حجر عثرة في تقدم المسلم بعمله فتفسد عليه ما كان يعمله كالغيبة ، والنميمة ، والكذب ، والشك ، والبهتان ، ومن المعلوم أن المعصية قد تمنع طاعة ، وقد تمنع الرزق كما جاء في الآثار الكثيرة ، وكان كثير من السلف يخشى هذه المعاصي من منعها للطاعات ، فبعضهم يقول : حُرمت قيام الليل لمعصية عملتها ، كما جاء عن ابن المبارك والشافعي وغيرهم ، وأحوالهم في ذلك كثيرة لعل الله أن ييسر الإسهاب فيها في مقالة أخرى .
تلك إشارات عابرة لهذه العثرات ،
أما الأخطر فهو المهلك ، وقد يقع فيها الإنسان من حيث لا يشعر ومن أخطرها :
- الشرك بالله سبحانه شركاً أكبر ، وهذا معلوم ، لكن قد يكون من الشرك مالا يحسبه المسلم كذلك ، وهذا من الخطورة العظيمة كمن يصر على دعاء غير الله عز وجل ، أو يدعو أصحاب الأضرحة والقبور بدل أن يدعو لهم ، وغيرها مما يجب التنبه له .
- ومنه السخرية والاستهزاء بالله تعالى أو برسوله صلى الله عليه وسلم أو بشرعه بشكل واضح وصريح ، أو بدعوى الطرفة والنكتة ،أو بدعوى عدم تقبل العقل ، أو بأي حجة من الحجج التي يمليها الشيطان أو النفس الأمارة بالسوء أو الإعجاب بما عند الآخرين ونحو ذلك ، وهذا من أبرز ما ظهر في الآونة الأخيرة وبخاصة في وسائل الإعلام المختلفة ، ومن علاج ذلك : التأمل والنظر ، والتفكير الجاد كما قال الله تعالى : ( قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة ) سورة سبأ 64
- ومنه : العُجب في عمل الإنسان لنفسه فيعجب بعمله وتميزه ، والعُجب محبط للعمل ، وفي هذا قصة الرجل الذي أعجب بطاعاته وتألى على الله تعالى بأن لا يغفر لفلان ، قال الله تعالى :( من ذا الذي يتألى علي فقد أحبطت عملك وغفرت له ) صحيح مسلم برقم 2612 وما قاده إلى ذلك إلا إعجابه بنفسه ، والإنسان عليه أن يعمل ويرجوا الله قبول عمله ، ويخشى رده .
- ومما يدخل في ذلك : إبراز عمله وإظهاره للناس وتحري ردود الفعل بالثناء والمدح ، ومع الوقت يتجذر مثل هذا الفعل في النفس ، ويندرج تحت هذا المراءاة بالعمل ، وإن ادعى صاحبه أن ليس كذلك فالأمر ليس سهلاً ، وقد أخبر عليه الصلاة والسلام أن الشرك الخفي : أخفى من دبيب النملة السوداء ، على الصخرة الصماء ، في الليلة الظلماء ، وهو من أقصر الطرق لمحبطات الأعمال .
و وسائل الاتصال المعاصرة لها دور كبير في غرس هذا المعنى في النفوس وبخاصة عندما تبرز الأعمال الشخصية ويطلب صاحبها التجاوب معها ، أظن ذلك محلاً للتأمل .
- التشكيك في ما هو معلوم من الدين بالضرورة ، كالتشكيك في الواجبات القطعية، أو المحرمات القطعية .
وفي الوقت نفسه التساهل في غيرها بحجة أنها ليست قطعية وإبرازها للناس لتتخير منها ما شاءت فكان مثل هذا يوحي للناس بالعبث في القضايا ، حتى يصل الأمر إلى ترك كثير من الأعمال الصالحة أو التساهل في المحرمات .
- ومن ذلكم : النفاق وهذا لا يحتاج إلى تفصيل فهو معلوم لكل مسلم ، يكفي أن الله سبحانه وتعالى جلّى معانيه في القرآن الكريم بتفصيل واضح وبيّن ، لكن الإشارة هنا لما قد ظهر من ظواهر هي من سمات المنافقين للحذر منها .
تلكم بعض عثرات الطريق التي يحتاج المسلم لاستظهارها وعدم التساهل فيها ، والحذر منها حتى لا يقع فيها من حيث لا يشعر أو لا يشعر ، أما كيف يتقيها فهي المقالة القادمة بإذن الله تعالى .
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى و وقانا شر المهلكات والمحبطات ، و أعاذنا من كل شر وفتنة ، إنه قريب مجيب .
وصلى الله على نبينا محمد
|
|