المختصر في صيام يوم عاشوراء
إنَّ الحمدَ لله نحمَدُه، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يُضلل فلا هادي له. وأشهد أنّ لا إله إلاّ اللهُ وحده لا شريك له. وأشهد أنّ محمداً عبده ورسولُه.
أما بعد:
فإن من نعم الله على عباده أن شرع لهم مواسم الخيرات؛ ليستكثروا فيه من الطاعات ورفع الدرجات، ولتكون سبيلا إلى التخلص من درن الذنوب والسيئات، ومن ذلكم الصيام، هذه العبادة العظيمة التي لها آثار جليلة، وفوائد عظيمة، والصيام لا يقتصر على الواجب؛ كرمضان، بل تتعداه إلى المستحب والمندوب، ومن ذلك صيام شهر الله المحرم، وصيام يوم عاشوراء منه، وفي هذا المقال نلقي الضوء على أهم مسائل صيام هذا اليوم الفضيل:
أولا: عاشوراء تاريخيا
عاشورا: يوم له حرمة قديمة، صامه الأنبياء –عليهم السلام-، فصامه نوح وموسى –عليهما السلام- وكان أهل الكتاب (اليهود والنصارى) يصومونه، وصامته قريش في الجاهلية، وقد أخبرنا النبي –صلى الله عليه وسلم- إنه يوم نَجَّى الله فيه نبيه موسى عليه الصلاة والسلام والمؤمنين معه، وأغرق فيه فرعون وحزبه؛ فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَوَجَدَ الْيَهُودَ صِيَامًا يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي تَصُومُونَه؟ فَقَالُوا: هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ أَنْجَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ وَغَرَّقَ فِيهِ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ، فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا فَنَحْنُ نَصُومُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ". فَصَامَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَمَرَ بِصِيَامِه"(1).
ونصر الله لأوليائه في كل زمان ومكان وأمة انتصارٌ للحق وذلٌّ للباطل، وأخذٌ للمتكبر ونعمة على المؤمنين إلى يوم القيامة؛ لأن كل مؤمن يُسَرُّ بذلك؛ ففيه نصر دين الله عزَّ وجل، وهذه نعمة عظيمة من الله على عبادة تستحق الشكر لها، ومن مظاهر الشكر أن يصام هذا اليوم؛ لذلك صامه النبي –صلى الله عليه وسلم- وأمر بصيامه، فصامه الصحابة –رضي الله عنهم-، بل إن بعضهم من حرصهم على صيامه لا يتركه في الحضر ولا في السفر؛ خشية فوات أجره.
ثانيا: فضل صيام يوم عاشوراء
أَمرَ النبي –صلى الله عليه وسلم- بصيام يوم عاشورا في الحديث السابق ورتب على صيامه تكفير ذنوب سنة كاملة، وهذا من فضل الله علينا، وهو بهذه المنزلة يأتي بعد صيام يوم عرفة؛ حيث رتب على صيامه تكفير ذنوب سنتين، ففي صيام عرفة قال كما في حديث أَبِي قَتَادَةَ -رضي الله عنه-: «...صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ"، ثم قال في نفس الحديث عن صيام عاشوراء: "وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُوراء أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ"(2).
وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من صام يوم عرفة غفر له سنة أمامه وسنة خلفه، ومن صام عاشوراء غفر له سنة"(3).
والمقصود من قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ) أي: أرجوه من الله وأدخره عنده عز وجل، والاحتساب في الأعمال الصالحة كما قال ابن الأثير: "البدار إلى طلب الأجر، وتحصيله باستعمال أنواع البر والقيام بها على الوجه المرسوم فيها طلبًا للثواب المرجو فيها"(4).
فحري بكل مسلم ومسلمة أن يحرص أشد الحرص على صيام هذا اليوم؛ ليكفر الله عنه سيئاته وآثامه وذنوبه، التي لا يسلم كل أحد من اقتراف شيء منها، وهذا فضل عظيم منَّ الله به علينا، أن أعطانا بصيام يوم واحد فقط تكفير ذنوب سنة كاملة، لا سيما وأننا نعيش في هذه الأيام الأجواء الباردة، قصيرة النهار، لا مشقة ولانصب في صيامها.
ثالثا: مخالفة اليهود في صيام عاشوراء
عن عبد اللّه بن عبّاس - رضي الله عنهما - يقول حين صام رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا يا رسول اللّه إنّه يوم تعظّمه اليهود والنّصارى. فقال رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- «فإذا كان العام المقبل - إن شاء اللّه - صمنا اليوم التّاسع. قال فلم يأت العام المقبل حتّى توفّى رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم-"(5).
ففي هذا الحديث أمر منه –صلى الله عليه وسلم- صريح بمخالفة اليهود والنصارى في الصيام وفي كل شيء، وقد استدل بعض العلماء على مشروعية صيام يوم التاسع أيضا (تاسوعا) حتى تحصل هذه المخالفة لهم حتى وإن كان النبي –صلى الله عليه وسلم- لم يصم التاسع ولم يفعله ومات من عامه، إنه هدي وسنة متبعة.
وفي شرح المخالفة الواردة في الحديث كلام جميل للإمام النووي –رحمه الله- حيث ذكر أن للعلماء في ذلك عدة وجوه:
أحدها: أن المراد من مخالفة اليهود في اقتصارهم على العاشر.
الثاني: أن المراد به وصل يوم عاشوراء بصوم، كما نهى أن يصام يوم الجمعة وحده.
الثالث: الاحتياط في صوم العاشر خشية نقص الهلال ووقوع غلط، فيكون التاسع في العدد هو العاشر في نفس الأمر.
وأقوى هذه الأوجه هو مخالفة اليهود كما أشار إلى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى(6).
وقال ابن حجر -رحمه الله- في تعليقه على الحديث "لئن بقيت إلى قابل لأصومنّ التاسع": وما همّ به من صوم التاسع يحتمل معناه ألا يقتصر عليه بل يضيفه إلى اليوم العاشر إما احتياطا له وإما مخالفة لليهود والنصارى وهو الأرجح، وبه يشعر بعض روايات مسلم"(7).
فصيام يوم عاشوراء تأكيد على وجوب مخالفة هدي المشركين حتى في العبادة ومن تأمل الأحاديث في يوم عاشوراء تبين له أن أصل مخالفة المسلمين للمشركين أمر مقرر عند الصحابة، ويدل على ذلك أنهم لما علموا صيام أهل الكتاب مع صيامهم مباشرة سألوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقالوا "إن اليهود والنصارى يصومون هذا اليوم" فكأنهم قالوا: أنت يا رسول الله علمتنا مخالفة اليهود والنصارى، وهم الآن يصومون، فكيف نخالفهم؟ فقد أمر بمخالفتهم، ونهي عن موافقتهم، فعزم على ألا يصوم عاشوراء مفردا، فكانت مخالفته لهم في ترك إفراد عاشوراء بالصوم ويشهد لذلك أحاديث منها كما ورد في حديث ابن عباس "فإن كان العام المقبل" إذا فالغرض هو مخالفة اليهود والنصارى في كل شيء وليس الصيام فقط(8).
رابعا: مراحل تشريع صيام عاشوراء
المرحلة الأولى: وجوب الصيام على النبي -صلى الله عليه وسلم- لوحده
وذلك لما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- في مكه، فقد كان يصوم عاشوراء بمفرده، ولا يأمر الناس بصومه وكان -صلى الله عليه وسلم- يتحرى صيامه؛ لما له من المكانة، فعن ابن عبّاس -رضي اللّه عنهما- قال:"ما رأيت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يتحرّى صيام يوم فضّله على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء"(9).
المرحلة الثانية: وجوب صيام عاشوراء على الناس
لما قدم النبي- صلى الله عليه وسلم - المدينة وجد اليهود يصومونه، فصامه وأمر الناس بصيامه، حتى أمر من أكل في ذلك اليوم أن يمسك بقية ذلك اليوم. وكان ذلك في السنة الثانية من الهجرة؛ لأنه قدم المدينة في ربيع الأول، ودليل ذلك من السنة حديث الرّبيّع بنت معوّذ قالت: أرسل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة:"من كان منكم صائما فليتمّ صومه، ومن كان أصبح مفطرا فليتم بقية يومه"، فكنا بعد ذلك نصومه ونصوّم صبياننا الصغار منهم، إن شاء الله، ونذهب بهم إلى المسجد، ونصنع لهم اللعبة من العهن، فنذهب به معنا، فإذا سألونا الطعام أعطيناهم اللعبة تلهيهم، حتى يتموا صومهم"(10).
المرحلة الثالثة: نسخ وجوب صيام عاشوراء
لما فرض رمضان في السنة الثانية نسخ وجوب صوم عاشوراء، وصار مستحبا(11)، فلم يقع الأمر بصيامه إلا سنة واحدة، والدليل على ذلك من السنة النبوية كما ورد عن عائشة -رضي اللّه عنها- قالت: (كانوا يصومون عاشوراء قبل أن يفرض رمضان وكان يوما تستر فيه الكعبة فلمّا فرض اللّه رمضان قال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: "من شاء أن يصومه فليصمه ومن شاء أن يتركه فليتركه"(12).
فكما كان واجبا أولا فهو الآن مستحب غير واجب، كما نقل ابن عبد البر الإجماع على هذا.
رابعا: مراتب صيام عاشوراء
وبناء على هذه الأحاديث المتقدمة وغيرها تكون مراتب صوم يوم عاشوراء ثلاثة:
المرتبة الأولى: صيامه مع يوم قبله فقط، وهذه أفضلها للحديث السابق الذي رواه مسلم في الصحيح مرفوعا: "لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع"، وأما ما جاء في بعض ألفاظ الحديث: "صوموا يوم عاشوراء وخالفوا اليهود صوموا قبله يوما وبعده يوما"؛ فلا تقوم به حجة لضعف.
المرتبة الثانية: صيامه مع يوم بعده فقط؛ لتحقيق مخالفة اليهود.
المرتبة الثالثة: صيامه وحده؛ لفعله -صلى الله عليه وسلم-.
قال الإمام ابن القيم: "فمراتب صومه ثلاثة: أكملها: أن يصام قبله يوم وبعده يوم، ويلي ذلك أن يصام التاسع والعاشر، وعليه أكثر الأحاديث، ويلي ذلك إفراد العاشر وحده بالصوم. وأما إفراد التاسع، فمن نقص فهم الآثار، وعدم تتبع ألفاظها وطرقها، وهو بعيد من اللغة والشرع، والله الموفق للصواب"(13).
خامسا: مخالفات شرعية في عاشوراء
دأب بعض الناس -حرصا منهم على الخير- بعلم أو عن جهل على فعل بعض البدع والمخالفات الشرعية، تعد في بعضها من البدع المحدثة، أذكر في هذا السياق ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله– حينما سُئل عمّا يفعله النّاس في يوم عاشوراء، من الكحل والاغتسال والحنّاء، والمصافحة وطبخ الحبوب، وإظهار السّرور... وما تفعله الطّائفة الأخرى من المأتم والحزن والعطش، وغير ذلك من النّدب والنّياحة، وقراءة المصروع، وشقّ الجيوب، هل لذلك أصل؟ أم لا؟
فأجاب -رحمه الله تعالى- بقوله: "لم يرد في شيء من ذلك، حديث صحيح عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، ولا عن أصحابه، ولا استحبّ ذلك أحد من أئمّة المسلمين، لا الأئمّة الأربعة، ولا غيرهم. ولا روى أهل الكتب المعتمدة في ذلك شيئا، لا عن النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم-، ولا الصّحابة، ولا التّابعين، لا صحيحا، ولا ضعيفا... ولا يعرف شيء من هذه الأحاديث، على عهد القرون الفاضلة... وأمّا سائر الأمور: مثل اتّخاذ طعام خارج عن العادة، إمّا حبوب، وإمّا غير حبوب، أو في تجديد لباس، أو توسيع نفقة، أو اشتراء حوائج العام ذلك اليوم، أو فعل عبادة مختصّة، كصلاة مختصّة به، أو قصد الذّبح، أو ادّخار لحوم الأضاحيّ، ليطبخ بها الحبوب، أو الاكتحال أو الإختضاب أو الاغتسال، أو التّصافح أو التّزاور، أو زيارة المساجد والمشاهد ونحو ذلك، فهذا من البدع المنكرة الّتي لم يسنّها رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-، ولا خلفاؤه الرّاشدون، ولا استحبّها أحد من أئمّة المسلمين.."(14)ـ.
وقال الإمام ابن القيم الجوزية -رحمه الله تعالى-: "أحاديث الاكتحال يوم عاشوراء، والتزين والتوسعة والصلاة فيه، وغير ذلك من فضائل، لا يصح منها شيء، ولا حديث واحد، ولا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه شيء، غير أحاديث صيامه، وما عداها فباطل. وأمثل ما فيها: من وسع على عياله يوم عاشوراء، وسع الله عليه سائر سنته؛ قال الإمام أحمد: لا يصح هذا الحديث. وأما حديث الاكتحال والإدهان والتطيب، فمن وضع الكذابين، وقابلهم آخرون فاتخذوه يوم تألم وحزن، والطائفتان مبتدعتان خارجتان عن السنة. وأهل السنة يفعلون فيه، ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من الصوم، ويجتنبون ما أمر به الشيطان من البدع"(15).
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله تعالى-: "وبما ذكرنا من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية... يُعلم أن الأحاديث الواردة في تخصيص يوم عاشوراء، بالاكتحال أو الإغتسال أو الإختضاب موضوعة، وهكذا أحاديث التوسعة على العيال كلها غير صحيحة؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد "(16). وأما اتخاذ يوم عاشوراء مأتمًا، فهو من البدع المنكرة التي أحدثها الرافضة، وخالفوا بها أهل السنة والجماعة، وما درج عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يجوز التشبه بهم في ذلك، والله المستعان"(17).
وقال الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين -رحمه الله تعالى-: "أما إظهار الفرح في ليلة السابع والعشرين من رجب، أو في ليلة النصف من شعبان، أو في يوم عاشوراء، فإنه لا أصل له، ويُنهى عنه، ولا يحضر إذا دُعي الإنسان إليه... وليس في هذا اليوم شيء من شعائر الأعياد، وكما أنه ليس فيه شيء من شعائر الأعياد، فليس فيه شيء من شعائر الأحزان أيضاً، فإظهار الحزن وإظهار الفرح في هذا اليوم، كلاهما خلاف السنة، ولم يرد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا صومه، مع أنه عليه الصلاة والسلام أمر أن نصوم يوماً قبله، أو يوماً بعده، حتى نخالف اليهود الذين كانوا يصومونه وحده"(18).
سادسا: نظرة إلى ما يفعله الشيعة في عاشوراء
ما يفعله الشيعة في عاشوراء من ضرب الصدور، ولطم الخدود، وضرب السلاسل على الأكتاف، وشج الرؤوس بالسيوف وإراقة الدماء، محدث لا أصل له في الإسلام، فإن هذه أمور منكرة نهى عنها النبي -صلى الله عليه وسلم-، كما أنه لم يشرع لأمته أن تصنع شيئا من ذلك أو قريبا منه، لموت عظيم، أو فقد شهيد، مهما كان قدره ومنزلته. وقد استشهد في حياته -صلى الله عليه وسلم- عدد من كبار أصحابه الذين حزن لفقدهم كحمزة بن عبد المطلب، وزيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن رواحة، فلم يفعل شيئا مما يفعله هؤلاء، ولو كان خيرا لسبقنا إليه صلى الله عليه وسلم.
وهنا ننقل كلام الحافظ ابن كثير -رحمه الله- في ذلك حيث يقول: " فكل مسلم ينبغي له أن يحزنه قتله -أي: الحسين- رضي الله عنه-، فإنه من سادات المسلمين، وعلماء الصحابة وابن بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- التي هي أفضل بناته، وقد كان عابدا وشجاعا وسخيا، ولكن لا يحسن ما يفعله الشيعة من إظهار الجزع والحزن الذي لعل أكثره تصنعٌ ورياءٌ، وقد كان أبوه أفضل منه، فقتل وهم لا يتخذون مقتله مأتما كيوم مقتل الحسين، فإن أباه قتل يوم الجمعة وهو خارج إلى صلاة الفجر في السابع عشر من رمضان سنة أربعين، وكذلك عثمان كان مثل علي عند أهل السنة والجماعة، وقد قتل وهو محصورٌ في داره في أيام التشريق من شهر ذي الحجة سنة ست وثلاثين، وقد ذبح من الوريد إلى الوريد، ولم يتخذ الناس يوم قتله مأتماً، وكذلك عمر بن الخطاب وهو شهيد مثل عثمان وعلي، قتل وهو قائم يصلي في المحراب صلاة الفجر ويقرأ القرآن ولم يتخذ الناس يوم قتله مأتماً، وكذلك الصديق كان أفضل منه ولم يتخذ الناس يوم وفاته مأتما، ورسول الله صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم في الدنيا والآخرة، وقد قبضه الله إليه كما مات الأنبياء قبله، ولم يتخذ أحد يوم موتهم مأتما يفعلون فيه ما يفعله هؤلاء الجهلة من الرافضة يوم مصرع الحسين "(19).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: " وصار الشيطان بسبب قتل الحسين -رضي الله عنه-، يُحدث للناس بدعتين: بدعة الحزن والنوح يوم عاشوراء من اللطم والصراخ والبكاء وإنشاد المراثي... وبدعة السرور والفرح... وكل بدعة ضلالة، ولم يستحبَّ أحدٌ من أئمة المسلمين الأربعة وغيرهم لا هذا ولا هذا " (20).
قال ابن رجــب –رحمه الله- عن يوم عاشوراء: "وأما اتخــاذه مأتماً كما تفعله الرافضــة؛ لأجــل قتل الحسين بن علي ـ رضي الله عنهما ـ فيه.. فـهــو من عمل من ضل سعيه في الحياة الدنيا وهو يحسب أنه يحسن صنعاً، ولم يأمر الله ولا رسوله باتخاذ أيام مصائب الأنبياء وموتهم مأتماً، فكيف بمن دونهم؟"(21).
وأخيرا: فإن صيام يوم عاشوراء تربية للناس على فتح باب المسابقة والتنافس في الخيرات، فقد دلَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- على فضل عاشوراء ثم ترك الأمر راجعاً إلى اختيار الشخص حتى يتبين المسابق للخيرات مع غيره. فلنسابق في الخيرات ولنري الله من أنفسنا خيرا.
نسأل الله أن يجعلنا من أهل سنة نبيه الكريم وأن يحيينا على الإسلام ويميتنا على الإيمان وأن يوفقنا لما يحب ويرضى. ونسأله أن يُعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته وأن يتقبل منا ويجعلنا من المتقين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
د. نايف بن جمعان الجريدان | 3/1/1434 هـ
_____________________________________
(1) أخرجه مسلم ( 2714).
(2) أخرجه مسلم (1976) .
(3) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (19/4)، وصححه الألباني، انظر: صحيح الترغيب رقم (1013).
(4) النهاية في غريب الحديث والأثر (1/38).
(5) أخرجه مسلم ( 2722).
(6) الفتاوى الكبرى (6/175).
(7) فتح الباري (4/245).
(8) انظر: اللطائف ( 102 ـ 109).
(9) أخرجه البخاري (1868).
(10) أخرجه مسلم ( 2726).
(11) فتح الباري( 4/289).
(12) أخرجه البخاري (1489).
(13) زاد المعاد لابن القيم ( 2/75) ، وقد ذكر هذه المراتب الحافظ ابن حجر في فتح الباري ( 4/311)
(14) مجموع الفتاوى ( 25/299- 312).
(15) المنار المنيف ( 1/111- 112).
(16) أخرجه البخاري (9/107)، ومسلم (1718).
(17) مجموع فتاوى ابن باز( 26/252- 253).
(18) فتاوى نور على الدرب( 19/ 91-90).
(19) البداية والنهاية (8/221).
(20) منهاج السنة (4/554) بتصرف.
(21) لطائف المعارف ص(113).