Admin مدير المنتدى
عدد المساهمات : 18994 التقييم : 35488 تاريخ التسجيل : 01/07/2009 الدولة : مصر العمل : مدير منتدى هندسة الإنتاج والتصميم الميكانيكى
| موضوع: الوسائل الشرعية للوقاية من الأمراض الإثنين 14 يناير 2013, 9:32 pm | |
|
الوسائل الشرعية للوقاية من الأمراض (العضوية والنفسية)
كتبه : الاستاذ الدكتور فالح بن محمد الصغير
المشرف العام على شبكة السنة النبوية وعلومها
المرض قدر من الله تعالى يبتلي به بعض عباده، سواء كان هذا المرض نفسيًا أو عضويًا، والشافي الذي يزيل هذا المرض ويبرئ العباد منه هو الله تعالى،
يقول تبارك وتعالى: (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) (1) .
والمرض سنة جارية على الناس جميعًا، منذ أن خلق الله الخليقة، فلا يوجد إنسان إلا ويُبتلى بهذا الابتلاء، ما بين شدة وخفة، وقد ابتلى الله تعالى بالمرض الأنبياء والصالحين كما ابتلى غيرهم من الناس.
وينظر الإسلام إلى المرض على أنه ابتلاء واختبار للإنسان، يقف أمامه حينها أحد موقفين: إيجابي وسلبي:
أولاً: الموقف الإيجابي ويتمثل في الرضى بقضاء الله تعالى وقدره، مع اليقين بأن المرض من الله تعالى، وأن الشافي هو الله مع الأخذ بالأسباب في التداوي بالطرق المشروعة، قال الله تعالى: (الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون) (2)، وقال جل وعلا: (وإذا مرضت فهو يشفين) (3).
ويترتب على هذا الموقف تكفير الخطايا والذنوب، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حط الله به سيئاته كما تحط الشجرة ورقها"(4).
ثانيًا: الموقف السلبي: ويتمثل بالجزع والتضجر من المرض، والتعلق بالمخلوقين من المشعوذين والسحرة لعلاجه وعدم الصبر عليها، من غير أن يحيل الأمر إلى الله تعالى.
ويترتب على هذا الموقف، سخط الله تعالى، مع زيادة المرض وطول أمده، فضلاً عن التقصير والإهمال في الطاعات والعبادات.
وفي هذه الأسطر نقف مع جملة من الوسائل الشرعية المساعدة للوقاية من الأمراض ا لتي هي جزء من عقيدة المسلم لتذكرها ومن ثم لينعم بآثارها الإيجابية العظيمة في الدنيا والآخرة.
الوسائل الشرعية للوقاية من الأمراض:
إن بيان الوسائل الشرعية للوقاية من الأمراض هي وسائل احترازية ينبغي على المؤمن اتباعها ليحصل على آثارها المرجوة، وهي من قبيل الأسباب، وإلا فالأصل هو الاعتماد على الله تعالى فهو المقدر للصحة والمرض، ومن هذه الوسائل:
أولاً: الثقة بالله تعالى، أنه هو الشافي
وذلك باللجوء إليه وحده بالدعاء وتقديم الطاعات بين يديه، والثقة المطلقة أنه هو الذي خلق الكون وما فيه من الأمراض والأسقام، وهو الوحيد على دفعها عن عباده وشفائهم منها، لقوله جل وعلا: (وإذا مرضت فهو يشفين) (5). وهذه الثقة تمنح الإنسان قوة في التعلق بالذي يقدر الأمور كلها ويصرفها سبحانه، ومن تعلق به تعلق بالقوة التي لا تغلب، كما تورث الطمأنينة القلبية، فهو الشافي وحده جلّ وعلا.
ثانيًا: التفاؤل بالخير:
إن التفاؤل بالخير والتطلع إلى الأفضل يعطي الإنسان مقاومة ومناعة لجميع الخطوب والمتاعب، ومنها الأمراض، حتى إذا ما وقعت عليه الأمراض لن تكون بالشدة نفسها على الإنسان الذي أرهقه اليأس والقنوط، بل إن التفاؤل يولد في نفس صاحبه الأمل بالشفاء وذهاب الهم والقلق والحزن في لكل لحظة، وهو امتثال لقوله تعالى: (ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون) (6).
ثالثًا: الدعاء والتضرع إلى الله تعالى وسؤاله العفو والعافية في الدنيا والآخرة، فقد جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، فعليكم – عباد الله – بالدعاء"(7).
رابعًا: الاستعاذة بالله من شر ما خلق: لقوله تعالى: (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم) (8)، وقول النبي عليه الصلاة والسلام : "من نزل منزلاً ثم قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضره شيء، حتى يرتحل من منزله ذلك"(9)، وكان عليه الصلاة والسلام يستعيذ من بعض آفات النفس وأسقامها، كما في دعائه: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل وضلع الدين وغلبة الرجال"(10).
خامسًا: قراءة سورة الإخلاص والمعوذتين: فقد روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من الجانّ وعين الإنسان حتى نزلت المعوِّذتان، فلما نزلتا أخذ بهما وترك ما سواهما"(11).
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: "إنما رقّى بالمعوذات لأنهن جامعات للاستعاذة من كل المكروهات جملة وتفصيلاً، ففيها الاستعاذة من شر ما خلق، فيدخل فيه كل شيء، ومن شر النفاثات في العقد، ومن السواحر، ومن شر الحاسدين، ومن شرّ الوسواس الخناس. والله أعلم"(12).
سادسًا: المواظبة على الأذكار اليومية، والتي وردت فيها أحاديث كثيرة، وهي أذكار تخص الليل والنهار، وفي الصباح وعند المساء وعند الخروج والدخول وعند النوم، وغيرها، وجميعها وسائل وقائية من الشرور والأسقام والأمراض النفسية وغيرها، كما في الحالات الآتية على سبيل المثال وليس الحصر:
– عند النوم: فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً إذا أخذ مضجعه من الليل أن يقول: "اللهم أسلمت نفسي إليك ووجهت وجهي إليك وألجأت ظهري إليك وفوضت أمري إليك رغبة ورهبة إليك لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك آمنت بكتابك الذي أنزلت وبرسولك الذي أرسلت فإن مات مات على الفطرة"(13).
– الفزع من النوم: فقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم علاجًا لهذه لحالة الفزع قائلاً: "إذا فزع أحدكم في النوم فليقل أعوذ بكلمات الله التامات من غضبه وعقابه وشر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون فإنها لن تضره"(14).
– عند الخروج من البيت والدخول إليه: وهذه النقطة من الطب النفسي الوقائي في الهدي النبوي، قال النبي عليه الصلاة والسلام: "إذا خرج الرجل من بيته فقال بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله قال يقال حينئذ هديت وكفيت ووقيت فتتنحى له الشياطين فيقول له شيطان آخر كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي"( 15).
سابعًا: الوقاية من خلال تفادي الأسباب المؤدية إلى المرض، وقد وصى النبي صلى الله عليه وسلم بذلك كما في قوله: "إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها"(16)، وقوله: "لا يوردن ممرض على مصح"(17)، وفي آخر يجمع النبي صلى الله عليه وسلم بين مجموعة من الأعمال الوقائية لتفادي شرور الأسقام العضوية والنفسية، فقال: "أطفئوا المصابيح إذا رقدتم وغلقوا الأبواب وأوكوا الأسقية وخمروا الطعام والشراب "(18). وهذا توجيه نبوي واضح في الأخذ بالوسائل الوقائية الصحية لتفادي الأمراض والأسقام، لأن ترك الطعام والشراب مكشوفًا ربما يعرضها لانتقال الحشرات الملوثة منها وإليها، الأمر الذي يساعد في ظهور الأمراض وتناقلها.
ومما يدخل في ذلك ما جدّ من الوسائل كالتطعيمات، ورش الأماكن وغيرها.
ثامنًا: تجنب الظلم بجميع أشكاله: لأنه من دواعي وقوع المرض والابتلاء الشديد لصاحبه في الدنيا، فكم من ظالم لعباد الله تعالى ابتلاه الله تعالى بأمراض وأسقام نفسية وعضوية حتى وافته المنية، والتاريخ مليء بالشواهد والحوادث.
تاسعًا: ترك عامة المعاصي، وقد نبّه الإسلام أن كثيرًا من الأمراض النفسية والعضوية نتيجة ارتكاب هذه المعاصي، وقد انتشرت الأمراض المستعصية نتيجة الزنا، وأمراض الدخان والخمور والمخدرات، وغيرها من المعاصي، فما انتشرت معصية في مجتمع إلا حلت فيه الأمراض المتنوعة، قال الله تعالى (وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً ) (19) .
يقول ابن القيم رحمه الله تعالى في هذا الباب: "لولا محن الدنيا ومصائبها لأصاب العبد من أدواء الكبر والعجب والفرعنة وقسوة القلب ما هو سبب هلاكه عاجلاً وآجلاً، فمن رحمة أرحمن الراحمين أن يتفقده في الأحيان بأنواع من أدوية المصائب تكون حمية له من هذه الأدواء، وحفظًا لصحة عبوديته، واستفراغًا للمواد الفاسدة الرديئة المهلكة منه، فسبحان من يرحم ببلائه ويبتلي بنعمائه"(20) .
لذا؛ وجب تربية النفس والأسرة على اجتناب المعاصي والتحذير منها، كما يجب التواصي بذلك، كما أرشد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "الدين النصيحة. قلنا لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم"(21).
عاشرًا: الارتباط بالقرآن دائمًا وأبدًا، فهو وقاية قبل المرض، وشفاء بعده، قال الله تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ) (22) ، وقال سبحانه: (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء)(23).
فالعاقل الذي يضع له وردًا يوميًا من القرآن الكريم، ويحافظ عليه، ويحفظه أولاده وأسرته، ويتعاهدون على ذلك.
وأخيرًا ، فإن المريض يستطيع أن يخفف وطأة المرض على نفسه وبدنه، من خلال تجديد الشعور بالتواصل مع الله تعالى، بالطاعات والعبادات، وملازمة الخير وأهله، والاعتقاد أن الخير فيما قدره الله، فما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وكذلك ضرورة التداوي بالمشروع وعدم التداوي بالمحرم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "يا عباد الله تداووا فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء أو قال دواء إلا داء واحدا قالوا يا رسول الله وما هو قال الهرم"(24).
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
|
|