Admin مدير المنتدى
عدد المساهمات : 18996 التقييم : 35494 تاريخ التسجيل : 01/07/2009 الدولة : مصر العمل : مدير منتدى هندسة الإنتاج والتصميم الميكانيكى
| موضوع: حجة لك أو عليك الإثنين 01 سبتمبر 2014, 2:46 am | |
|
حجة لك أو عليك إذا لم تظهر البطاقة اضغط هنا القرآن الكريم هو البرهان الذي أنزله الله تعالى وجعله حجة على الخلق، فمن آمن به وعمل بما فيه وداوم على قراءته كان حجة له يوم القيامة، والنور الذي يقوده إلى الجنة، وأما من كفر به أو قصر في العمل بما فيه، وهجر قراءته كان حجة عليه يدفعه إلى عذاب الله وسخطه، ولهذا حض القرآن والسنة على التمسك بالقرآن الكريم وحفظه والإكثار من تلاوته والعمل بما فيه لنفلح في الدنيا والآخرة. معنى كون القرآن حجة لك أو عليك
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء وإمام المرسلين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحابته أجمعين. أما بعد:
فيا معشر الأبناء والإخوان! أحييكم جميعاً بتحية الإسلام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
موضوع حديثنا الليلة قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( القرآن حجة لك أو عليك ) وهذا أحد ألفاظ الحديث الجليل الذي أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي مالك الأشعري رضي الله تعالى عنه، وقد سبق لنا أن تدارسنا منه أكثره، ولعلها الجملة الأخيرة في هذا الحديث: ( والقرآن حجة لك أو عليك )، ونص الحديث نتلوه تذكيراً للناسين وتعليماً لغير العالمين.
يقول صلى الله عليه وسلم: ( الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماء والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك، كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها ) .
فقوله صلى الله عليه وسلم: (القرآن حجة لك أو عليك) تلاحظون أنه يخاطب أمة الإسلام، وقد جرد منها شخصاً واحداً فخاطبه، وهو في الواقع يخاطب أمة الإسلام جمعاء.
القرآن يا عبد الله يا مؤمن حجة لك أو حجة عليك، إنه يذكرنا بلقاء الله تعالى، إذ لقاء الله حق، والبعث الآخر هو جزء من معتقد المؤمنين.
للإيمان ستة أركان، أولها: الإيمان بالله. وما قبل آخرها: الإيمان بالبعث والجزاء، الإيمان باليوم الآخر، الإيمان بلقاء الله تعالى. وعليه فمتى يكون القرآن حجة لك يا عبد الله أو عليك؟ يكون يوم القيامة، أما في الدنيا فالغالب أن الناس لا يسألون، وقل من يمتحن أمام القضاء الشرعي فيكون القرآن حجة له أو يكون حجة عليه، ولكن الوقوف بين يدي الله في ساحة فصل القضاء، يوم يجمع الله الأولين والآخرين للحساب أولاً ثم الجزاء ثانياً هنا يكون القرآن حجة لعبد الله يدخل به دار السلام، أو يكون حجة عليك فيحرم من دار السلام ويدخل دار الهوان، إذ ليس هناك سوى دارين: دار للنعيم ودار للشقاء.
في هذا المعنى يروى: أن أبا موسى الأشعري رضي الله عنه وأرضاه -وهو صاحب جليل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم- جمع أهل القرآن في ولايته، جمعهم في المدينة التي كان هو والياً عليها، فكانوا قرابة الثلاثمائة من حفاظ القرآن، فخطبهم وعظّم من شأن القرآن، ثم قال: (إن هذا القرآن كائن لكم أجراً أو كائن عليكم وزراً). فهو يشير إلى قوله صلى الله عليه وسلم: ( والقرآن حجة لك أو عليك ).
إن هذا القرآن الحاضر بين أيديكم الذي حوته صدوركم وقد كتب في صدوركم، هذا القرآن العظيم كائن لكم يوم القيامة أجراً، أو كائن لكم يوم القيامة وزراً، والأجر المثوبة، والوزر التبعة والمسئولية وما يؤخذ به الإنسان ويعاقب عليه.
ثم يقول أبو موسى: (فاتبعوا القرآن ولا يتبعنكم القرآن). اتبعوه امشوا وراءه، وخذوا بهديه وهداه، استنيروا به في الحياة واستضيئوا به في دنياكم، ولا بد لمن أراد أن يستضيء بالنور أن يمشي وراءه، أن يجعل النور في يده أمامه فيضيء له ما بين يديه فيمشي إلى أن يصل إلى غايته، أما من وضعه وراءه فكيف يستنير به؟ ولهذا يجيء التعبير القرآني مشيراً إلى هذا المعنى حيث يقول: نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ [البقرة:101] يعني: أن بني إسرائيل نبذوا الكتاب وجعلوه وراء ظهورهم، فهم إذاً لا يستضيئون بنوره ولا يستهدون بما فيه من الهدى؛ لأنهم ما جعلوه أمامهم، فهذا المعنى يلاحظه أبو موسى رضي الله عنه ويقول: (اتبعوا القرآن). يعني: أحلوا حلاله، وحرموا حرامه، واعتقدوا ما جاء فيه من العقائد، واعملوا بما فيه من الصالحات تكونوا كمن يمشي وراء القرآن ويهتدي به.
(اتبعوا القرآن ولا يتبعنكم القرآن، فإنه من اتبع القرآن هبط به على رياض الجنة)، فإنه من اتبع القرآن، ومشى وراءه والقرآن يقوده إلى الكمالات الروحية، فإنه لا يهبط به إلا على رياض الجنة.
قوله: (ولا يتبعنكم القرآن)، لا تسمحوا لأنفسكم أن يأتي القرآن وراءكم يسوقكم، يطالبكم بحقه.
وقوله: (إنه من يتبعه القرآن زج به في قفاه ثم قذفه في النار) أي: من يتبعه القرآن يقذف به في جهنم.
هذه الكلمات من خطبة لـأبي موسى الأشعري رضي الله عنه قالها في جمع من حفظة القرآن يقدرون بثلاثمائة، وما زاد على أن أخذ معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( والقرآن حجة لك أو عليك ). بيان متى يكون القرآن حجة لك أو عليك
متى يكون القرآن حجة لنا يا أبنائي؟ يكون حجة لنا إذا نحن أخذنا بالهدى الذي جاء فيه، فالقرآن فصل العقائد أيما تفصيل، القرآن بين العبادات وضروب الطاعات من سائر أنواع البر والخيرات بما لا مزيد عليه، القرآن بين المحرمات من المطاعم والمشارب والملابس والمناكح والمراكب والمساكن، القرآن بيّن الآداب التي ينبغي أن يعيش عليها عبد الله المسلم، آداب كل شيء، وإن شئتم في أسطر فقط تتجلى لنا هذه الحقيقة فيما قصه تعالى في هذا الكتاب عن عبد من عباده الصالحين وهو لقمان الحكيم، وقد وضع ولده بين يديه وأخذ يوصيه، فقال: يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]. يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ * وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ [لقمان:17-19].
يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ [لقمان:16]، هل تعرفون عن هذا العبد، عن لقمان ؟ تقول الأخبار: ما زال يوصي ولده ويعظه بما سمعتم حتى انفضت كبد الولد، ومات خوفاً من الله.
والشاهد من هذا: أن القرآن حوى واشتمل على فنون المعرفة وضروب الحكمة، الأمر الذي لا يمكن أن يكون قد حواه كتاب سواه.
ومن سورة بني إسرائيل (سبحان) ذكر تعالى ثماني عشرة حكمة في سلسلة من النور ابتدأها بقوله تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء:23] فتطرق للعقيدة، ثم تطرق لصلة الرحم، لحقوق الوالدين أولاً، فالأقارب ثانياً، تعرض للاقتصاد وكسب المال وإنفاق المال، تعرض لكرامة الآدمي وحرمة دمه وروحه، تعرض للفواحش فندد بها ونفر منها، وختم ذلك بقوله: ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ [الإسراء:39]، من الحكمة التي أوحى الله على رسوله وما في هذا الكتاب الكريم، فحقاً من جعل القرآن أمامه وأخذ يبصر في الحياة بنوره فإنه سوف يكون شاهداً له، ويشق طريقه بين الصفوف المتراصة في عرصات القيامة، ويجتاز العقبة الكئود والصراط المضروب على متن جهنم ويدخل الجنة مع الداخلين.
أما من جعل القرآن وراءه فنبذه وراء ظهره، واستقبل الحياة يتخبط فيها وفي ظلماتها، يعتقد بالباطل ويقول الهجر وينطق بالسوء ويعمل الفاسد ويفكر في الشر، ويعيش عيشة البهائم المقطوعة الرجاء، الآيسة من رحمة الله، فإن هذا القرآن العظيم قطعاً سوف يكون شاهداً عليه، وسوف يقذف به في جهنم، إذ يا معاشر الأبناء! ليس هناك إلا داران فقط: دار نعيم ودار جحيم، أما هذه السماوات وهذه الأرضون فإن الله كتب أن تكون كما كانت سديماً وبخاراً، فلا يبقى كوكب يسير ولا فلك يدور، واقرءوا إن شئتم قول الله تعالى: يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ * وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ * سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ * لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ * هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ [إبراهيم:48-52].
معاشر الأبناء! سنحت فرصة لكلمة ذهبية، قرأنا للشيخ محمد البشير الإبراهيمي -قد توفي غفر الله لنا وله، وكان أحد علماء جمعية العلماء في الجزائر- يقول: لو اخترنا عنواناً للقرآن الكريم، والقرآن كتاب، والكتاب يقرأ بعنوانه، فلا نجد أبداً كلمة تصلح عنواناً للقرآن إلا هذه الآية من خاتمة سورة إبراهيم، ونصها كما تلوناها: هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ [إبراهيم:52] فسبحان الله! الذي ألهم هذا الرجل فوقع في باله أن لكل كتاب عنواناً، فما عنوان القرآن الكريم؟ قال: هذه الآية تصلح أن تكون عنواناً لهذا الكلام الإلهي هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ [إبراهيم:52].
فالقرآن الكريم يكون حجة للعبد أو حجة عليه، يكون حجة له متى قدمه بين يديه، وجعله كالمصباح اليدوي، ومشى وراءه يعتقد عقائده، يتأدب بآدابه، يتخلق بأخلاقه، يحل حلاله، يحرم حرامه، ينهض بواجباته، يقوم بفرائضه، ويستمر على ذلك، فإنه لن ينتهي به إلا إلى دار السلام.
أما إذا جعله وراءه فلم يلتفت إليه، ولم يسمع إلى النداءات المتكررة، ولم يشأ حتى أن يتعرف إلى ما فيه، الناس يقرءون وهو لا يقرأ، الناس يستمعون إلى تلاوته وهو لا يستمع، الناس يتعلمون ما فيه وهو لا يتعلم، فمثل هذا سوف يزج به أو يضربه بزج في رأسه، ثم يقذف به في النار.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
|
|