Admin مدير المنتدى
عدد المساهمات : 18996 التقييم : 35494 تاريخ التسجيل : 01/07/2009 الدولة : مصر العمل : مدير منتدى هندسة الإنتاج والتصميم الميكانيكى
| موضوع: شرح الأربعين النووية حديث:( أُوصيكم بتقوى الله عزَّ وجلَّ ... ) الجمعة 03 أبريل 2015, 3:22 am | |
|
شرح الأربعين النووية حديث:( أُوصيكم بتقوى الله عزَّ وجلَّ ... )
عن أبي نجيح العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظةً بليغة وجلت منها القلوب، وذرَفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله! كأنَّها موعظةُ مودِّع فأوصِنا، قال: "أُوصيكم بتقوى الله عزَّ وجلَّ، والسمع والطاعة وإن تأمَّر عليكم عبد، فإنَّه مَن يَعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنَّتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديِّين، عضُّوا عليها بالنواجذ، وإيَّاكم ومحدثات الأمور؛ فإنَّ كلَّ بدعة ضلالة" رواه أبو داود والترمذي، وقال: "حديث حسن صحيح".
1 ــ قول العرباض: "وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظةً بليغة وجلت منها القلوب، وذرَفت منها العيون"، الموعظة ما كان من الكلام فيه ترغيب وترهيب، يؤَثّر على النفوس ويبلغ القلوب، فتوجل من مخافة الله، وقد وصف العرباض رضي الله عنه هذه الموعظة بهذه الصفات الثلاث، التي هي البلاغة ووجل القلب وذرف العيون، قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم (2/111) : "والبلاغة في الموعظة مستحسنة؛ لأنَّها أقربُ إلى قبول القلوب واستجلابها، والبلاغة هي التوصُّل إلى إفهام المعاني المقصودة وإيصالها إلى قلوب السامعين بأحسن صورة من الألفاظ الدَّالة عليها، وأفصحها وأحلاها للأسماع وأوقعها في القلوب". وقد وصف الله المؤمنين بوجل قلوبهم وذرف عيونهم عند ذكر الله، قال الله عزَّ وجلَّ: ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) ، وقال: ( وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ ) 2 ــ قوله: "قلنا: يا رسول الله! كأنَّها موعظة مودِّع فأوصنا"أي: أنَّ هذه الوصية تشبه موعظة المودِّع، لذا فقد طلب الصحابة الكرام وهم الحريصون على كلِّ خير وصيَّة جامعة يعهد بها إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، يتمسَّكون بها ويُعوِّلون عليها؛ لأنَّ الوصيَّة عند الوداع لها وقع في النفوس، ولعلَّ هذه الموعظة كان فيها ما يشعر بالتوديع، لذا طلبوا هذه الوصيَّة. 3 ــ قوله: "أوصيكم بتقوى الله"، تقوى الله عزَّ وجلَّ أن يجعل المرء بينه وبين غضب الله وقاية تقيه منه، وذلك بفعل الطاعات واجتناب المعاصي، وتصديق الأخبار، وهي وصيَّة الله للأولين والآخرين، كما قال الله عزَّ وجلَّ: ( وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ) ، وهي سبب كلِّ خير وفلاح في الدنيا والآخرة، ويأتي الأمر بتقوى الله في كثير من الآيات، لا سيما الآيات المبدوءة ب ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) ، وكذلك في وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه. 4 ــ قوله: "والسمع والطاعة وإن تأمَّر عليكم عبد" وهي وصيَّة بالسمع والطاعة لولاة الأمور في غير معصية الله، ولو كان الأمير عبداً، وقد أجمع العلماء على أنَّ العبدَ ليس أهلاً للخلافة، ويُحمل ما جاء في هذا الحديث وغيره من الأحاديث في معناه على المبالغة في لزوم السمع والطاعة للعبد إذا كان خليفة، وإن كان ذلك لا يقع، أو أنَّ ذلك يحمل على تولية الخليفة عبداً على قرية أو جماعة، أو أنَّه كان عند التولية حرًّا، وأُطلق عليه عبد باعتبار ما كان، أو على أنَّ العبدَ تغلَّب على الناس بشوكته واستقرَّت الأمور واستتبَّ الأمن؛ لِمَا في منازعته من حصول ما هو أنكر من ولايته. 5 ــ قوله: "فإنَّه مَن يعِش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً"، هذا من دلائل نبوَّته صلى الله عليه وسلم، حيث أخبر عن أمر مستقبَل وقع طبقاً لِمَا أخبر به صلى الله عليه وسلم؛ فإنَّ الذين طالت أعمارُهم من أصحاب النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أدركوا اختلافاً كثيراً ومخالفة لِمَا كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وذلك بظهور بعض فرق الضلال، كالقدرية والخوارج وغيرهم. 6 ــ قوله: "فعليكم بسنَّتي وسنَّة الخلفاء الراشدين المهديِّين، عضُّوا عليها بالنَّواجذ"، لَمَّا أخبر صلى الله عليه وسلم بحصول التفرُّق وكثرته، أرشد إلى طريق السلامة والنجاة، وذلك بالتمسُّك بسنَّته وسنَّة خلفائه الراشدين، وخلفاؤه الراشدون هم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، وقد وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم خلافتَهم بأنَّها خلافةُ نبوَّة، كما جاء في حديث سفينة رضي الله عنه: "خلافة النبوة ثلاثون سنة، ثم يؤتي اللهُ الملكَ أو ملكَه من يشاء" رواه أبو داود (4646) وغيرُه، وهو حديث صحيح، أورده الألباني في السلسلة الصحيحة (460) ، ونقل تصحيحه عن تسعة من العلماء، قال ابن رجب (2/120) : "والسنَّة هي الطريقة المسلوكة، فيشمل ذلك التمسُّك بما كان عليه هو وخلفاؤه الراشدون من الاعتقادات والأعمال والأقوال، وهذه هي السنَّة الكاملة، ولهذا كان السلف قديماً لا يطلقون اسم السنَّة إلاَّ على ما يشمل ذلك كلَّه، وروي معنى ذلك عن الحسن والأوزاعي والفضيل بن عياض، وكثير من العلماء المتأخرين يخصُّ اسمَ السنَّة بما يتعلَّق بالاعتقادات؛ لأنَّها أصلُ الدِّين، والمخالف فيها على خطر عظيم". وقد حثَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على التمسُّك بسنَّته وسنَّة خلفائه الراشدين بقوله: "فعليكم"، وهي اسم فعل أمر، ثم أرشد إلى شدَّة التمسُّك بها بقوله: "عضُّوا عليها بالنَّواجذ"، والنواجذ هي الأضراس، وذلك مبالغة في شدَّة التمسُّك بها. 7 ــ قوله: "وإيَّاكم ومحدثات الأمور؛ فإنَّ كلَّ بدعة ضلالة"، في رواية أبي داود (4607) : "وإيَّاكم ومحدثات الأمور؛ فإنَّ كلَّ محدثة بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة"، محدثات الأمور ما أُحدِث وابتُدع في الدِّين مِمَّا لم يكن له أصل فيه، وهو يرجع إلى الاختلاف والتفرُّق المذموم الذي ذكره النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بقوله: "فإنَّه مَن يَعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً"، وقد وصف النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم كلَّ البدع بأنَّها ضلال، فلا يكون شيءٌ من البدع حسناً؛ لعموم قوله: "وكل بدعة ضلالة"، وقد روى محمد بن نصر في كتابه السنة بإسناد صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "كلُّ بدعة ضلالة، وإن رآها الناس حسنة"، وذكر الشاطبي في الاعتصام عن ابن الماجشون قال: سمعت مالكاً يقول: "مَن ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أنَّ محمداً خان الرسالة؛ لأنَّ الله يقول: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) ، فما لم يكن يومئذ ديناً فلا يكون اليوم ديناً"، وقال أبو عثمان النيسابوري: "مَن أمَّر السنَّة على نفسه قولاً وفعلاً نطق بالحكمة، ومَن أمَّر الهوى على نفسه قولاً وفعلاً نطق بالبدعة"، انظر: حلية الأولياء (10/244) ، وأمَّا الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه (1017) : "مَن سنَّ في الإسلام سنَّة حسنة فله أجرها وأجر مَن عمل بها" فهو محمولٌ على القدوة الحسنة في الخير، كما هو واضح من سبب الحديث، وهو أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حثَّ على الصدقة، فأتى رجلٌ من الأنصار بصُرَّة كبيرة، فتابعه الناسُ على الصدقة، فعند ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال، وهو محمولٌ أيضاً على مَن أظهر سنَّة الرسول صلى الله عليه وسلم وأحياها، كما حصل من عمر رضي الله عنه في جمع الناس على صلاة التراويح في رمضان، فإنَّه إظهارٌ لسنَّته صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّه صلى الله عليه وسلم صلَّى بالناس قيام رمضان في بعض الليالي، وتركه خشية أن يُفرض عليهم، كما في صحيح البخاري (2012) ، فلمَّا توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب ما كان يُخشى من الفرض لانقطاع التشريع بوفاته صلى الله عليه وسلم، فبقي الاستحباب، فأظهره عمر رضي الله عنه، وهو أيضاً من سنَّة الخلفاء الراشدين، وما جاء عنه رضي الله عنه من قوله: "نعم البدعة"، كما في صحيح البخاري (2010) يريد إظهار صلاة التراويح، يُراد به البدعة اللغوية، ومثل ذلك زيادة عثمان رضي الله عنه الأذان يوم الجمعة، وقد وافقه عليه الصحابةُ رضي الله عنهم، فهو من سنَّة الخلفاء الراشدين، وما جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما أنَّه بدعة، فهو محمولٌ إن صحَّ على البدعة اللغوية.
8 ــ مِمَّا يُستفاد من الحديث:
1 ــ استحباب الموعظة والتذكير في بعض الأحيان؛ لِمَا في ذلك من التأثير على القلوب. 2 ــ حرص الصحابة رضي الله عنهم على الخير؛ لطلبهم الوصيَّة منه صلى الله عليه وسلم. 3 ــ أنَّ أهمَّ ما يوصى به تقوى الله عزَّ وجلَّ، وهي طاعته بامتثال أمره واجتناب نهيه. 4 ــ أنَّ من أهمِّ ما يوصى به السمع والطاعة لولاة الأمور؛ لِمَا في ذلك من المنافع الدنيوية والأخروية للمسلمين. 5 ــ المبالغة في الحثِّ على لزوم السمع والطاعة، ولو كان الأمير عبداً. 6 ــ إخبار النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم عن وجود الاختلاف الكثير في أمَّته، ثم حصوله كما أخبر من دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم. 7 ــ أنَّ طريق السلامة عند الاختلاف في الدِّين لزوم سنَّته صلى الله عليه وسلم وسنَّة الخلفاء الراشدين. 8 ــ بيان فضل الخلفاء الراشدين، وهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، وأنَّهم راشدون مهديُّون. 9 ــ التحذير من كلِّ ما أُحدث في الدِّين مِمَّا لم يكن له أصل فيه. 10 ــ أنَّ البدع كلَّها ضلال، فلا يكون شيء منها حسناً. 11 ــ الجمع بين الترغيب والترهيب؛ لقوله في الترغيب: "فعليكم"، وفي الترهيب: "وإيَّاكم". 12 ــ بيان أهميَّة الوصية بتقوى الله والسمع والطاعة لولاة الأمور، واتِّباع السنن وترك البدع؛ لكون النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أوصى أصحابَه بها بعد قوله عن موعظته: "كأنَّها موعظة مودِّع فأوصنا".
|
|